لاتنازل عن قيم ديننا
سهل على المؤمن أن يتنازل عن الدنيا عن متاعها ،عن مفاتنها وزخارفها ،عن جاهها وسلطانها ،فمتاعها زائف ،ومفاتنها وزخارفها باطلة ،وجاهها وسلطانها الى زوال، المنفق عليها بسخاء خاسر، والمفنى عمره من أجلها ضائع
لكن من الصعب بل من المستحيل على المؤمن الصادق أن يتنازل عن دينه أوعقيدته أو يتنازل عن قيمه أوعن تعاليم قرآنه وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) .
يحكى القرآن عن هذه الدنيا فيقول/:( اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور
)،
ففى هذه الآية الكريمة يبين الله أصنافا من الناس يعيشون لهذه الدنيا وفقط ولايمكن أبدا أن يتنازلوا عن شىء منها بأى حال من الأحوال، ومن ثم فأهدافهم فيها وضيعة ،رديئة ودنيئة لا تخرج عن الحدود التى رسمها الله للبهائم والحيوانات وان كانت البهائم والحيوانات أشرف وأجل مهمة، يقضى الوحد منهم أ وقاته وساعاته يلعب كما يلعب الصبيان ويلهوا كما يلهو التافهون وضعاف العقول ويسعى ويشتد سعيه يجمع من زينة الدنيا ما يستطيع من جاهها وسلطانها، من مفاتنها وزخارفها، من أموالها ومتاعها والعجيب أنه يتفاخر بمثل هذه الأشياء وهى ليست ملكا خالصا له انما هى ملك لله عز وجل وهو مستخلف فيها، وهو وهى الى فناء وزوال، والله عز وجل يمثل زوال هذه الدنيا وماعليها بهذه الصورة الحقيقية التى يراها كل الناس ولايستطيع أحد أن ينكرها ، صورة المطر النازل من السماء يحي به الله الأرض فيخرج النبات الزاهر والثمار الناضجة، ثم ما مصير ذلك كله فى النهاية ؟ مصيره الاصفرار والذبول والتحطم ثم الفناء ،هذه هى صورة الدنيا فى سرعة زوالها وفنائها، وتبقى الآخرة، فيها الحساب ثم الجزاء اما الى الجنة واما الى النار .
وهذا الصنف من الناس فى الوقت الذى لا يستطيع أن يتنازل عن شىء من دنياه تجد أنه من السهل عليه أن يتنازل عن قيمه ومبادئه وعن تعاليم قرآنه وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم) بل قد يتنازل عن دينه وعقيدته بالكلية، والمبرر: لقمة عيش رخيصة ممزوجة بالخزى والذل والعار،.. نظرة اعجاب وكلمة ثناء أو وسام يرفع على كتفه ،..منصب أو جاه أوسلطان يحصله أو يصل اليه ،.. اشباع شهواته ونزواته وغرائزه وارضاء أطماعه وجشعه .لكن المؤمن الصادق بعيد عن هذا كله تمام الابتعاد . هذا هو رسولكم (صلى الله عليه وسلم)
تعرض عليه قريش الدنيا علها تثنيه عن دينه وعن دعوته ،فترسل اليه عتبة بن ربيعة فيذهب اليه يقول: يابن أخى انك منا حيث قد علمت من المكان فى النسب ،وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم،فاسمع منى أعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها:ان كنت انما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تصير أغنانا،وان كنت تريد شرفا سودناك علينا فلا نقطع أمرا دونك،وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا،وان كان هذا الذى يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب،وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ، فلما فرغ من قوله تلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صدر سورة فصلت (( حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا فى أكنة مما تدعونا اليه وفى آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل اننا عاملون قل انما أنا بشر مثلكم يوحى الى أنما الهكم اله واحد فاستقيموا اليه واستغفروه وويل للمشركين ...حتى وصل الى قوله تعالى:فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود))
عندها وضع عتبة يده على جنبه وقام كأن الصواعق ستلاحقه وعاد الى قريش يقترح عليها أن تدع محمدا وشأنه!
ولما فشلت قريش فى هذه المحاولة ذهبت الى عمه أبى طالب وألحت فى الطلب أن يكف ابن أخيه عن دعوته وفعلت ذلك مرارا وتكرارا حتى أرسل اليه عمه وأعلمه بما قالت قريش وقال له :أبق على نفسك وعلى ،ولاتحملنى من الأمر مالا أطيق فظن الرسول(ص)أن عمه قد خذله وتخلى عنه وضعف عن نصرته فأعلن كلمة الاصرار والثبات على قيم الدين وتعاليم الاسلام ودعوة الحق فقال:(يا عماه..والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ماتركته حتى يظهره الله أوأهلك فيه ) ولم يدع الصحابة الكرام نبيهم(صلى الله عليه وسلم) يقف فى الميدان وحده بل كانوا من حوله أسودا ثابتين،،
تراهم وهم محاصرون فى شعب أبى طالب يتحملون هم وأطفالهم آلام الجوع والحرمان وقد اضطروا الى أكل أوراق الأشجار وظهر ذلك فى شكل فضلاتهم وصبروا على حصار دام ثلاث سنين وما لانت لهم قناه وما تركوا الرسول وحده أبدا وما تنازلوا عن شىء من قيم دينهم أو تعاليم اسلامهم،،
كما تراهم فى غزوة الأحزاب وقد تكالبت عليهم حشود الباطل تريد استئصال شأفة الحق وأهله، ويصف القرآن شدة المحنة وضخامة الموقف الذى مر به المسلمون، فيقول عز وجل :(اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنون*هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ) . فى وقت نقض اليهود فيه عهدهم مع المسلمين وغدروا بهم ،وتخاذل المنافقون وفروا من الميدان قائلين ان بيوتنا عورة، وما هى بعورة ان يريدون الا فرارا ،
فى وقت اجتمع على المسلمين فيه شدة الخوف مع شدة البرد وشدة الجوع حتى ان الوحد منهم كان لايستطيع ان يذهب ليقضى حاجته، ومع ذلك لم نسمع أن واحدا منهم ترك الرسول وانصرف ولم نسمع أن واحدا من هؤلاء تنازل عن دينه أعن عقيدته بل ثبتوا جميعا ثبات الجبال الرواسى فمدحهم الله فى قرآنه قائلا: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر وما بد لوا تبديلا )
واليكم قصة الامام أحمد بن حنبل رضى الله عنه
ففى المحنة التى تعرض لها بسبب اصراره على قولة الحق فى فتنة خلق القرآن والتى سجن بسببها وفى السجن كان يقول :أنا لا أخاف فتنة السجن فما هو وبيتى الا واحد ولاأخاف فتنة القتل فانما هى الشهادة ..انما أخاف فتنة السوط وفى يوم أخذوا الامام ليجلدوه فظهر على وجهه الخوف والجزع وفى أثناء خروجه الى ساحة الجلد لمح ذلك الجزع والخوف فى وجهه لص شهير اسمه أبوهيثم الطيار فقال له :يا امام لقد ضربت 18000 سوط بالتفاريق – أى على امتداد عمرى – وأناعلى الباطل فثبت وأنت يا امام على الحق فاثبت لان عشت عشت حميدا ولان مت مت شهيدا ..وقد ظل الامام يدعو للطيار بعد ذلك كل ليلة :اللهم اغفر له ..فلما سأله ابنه ياأبتى انه سارق قال:ولكنه ثبتنى ..يقول الجلاد :لقد ضربت بن حنبل ضربا لو كان فيلا لهددته ،ومر عليه رجل وهو معذب فقال هل آتيك بماء؟قال الامام: انما أنا صائم .
ويزوره أحد معارفه فيقول: يابن حنبل لقد ضعفت وعندك عيال - يقصد أخبر القوم بما يريدون لترتاح- فيرد الامام عليه :ان كان هذا هو عقلك فقد استرحت ..أنظر الى الناس تنتظر منى كلمة فان زللت وأنا عا لم لزل الناس كلهم (ففى زلة العالم زلة العالم كله)
لا نريد أن نقف موقفا كهذا ولكن المراد أن نثبت على قيمنا وأخلاقنا وأن نتمسك بد يننا ..
نريد موظفين وموظفات حينما تعرض عليهم رشوة يقولون لا لن نتنازل عن قيمنا ولن نبيع ضمائرنا .
نريد مدرسين ومدرسات يقولون لا لن نتنازل عن قيمنا لن نبخل بعلمنا على أحد من أبنائنا الطلاب، لن نرغمهم على الدروس الخصوصية و لن نبتز أموالهم .
نريد شبابا يقول:لا لن نتنازل عن قيمنا، لا للفاحشة لا للمخدرات لا للسجائر لا لصحبة السوء لا للضحك على البنات واللعب بعواطفهن بل يقول: نعم لصحبة الخير .
نريد شابات يقلن: لا لن نتنازل عن قيمنا لا للتبرج لا للعرى لا للفاحشة لا لمصاحبة الشباب لا لصحبة السوء نعم للعفة نعم للحجاب نعم لقيم الدين .
نريد تجارا ورجال أعمال يقولون لا لن نستغل حاجة ولن نحتكر سلعة ولن نغش أحدا من الناس لا لن نتنازل عن قيمنا لا لن نتربح من الحرام أبدا .
.نريد قضاة يعلنون لا لن نتسبب فى ظلم أحد لا لن نبيع قيمنا لن نبيع شرف المهنة التى كلفنا بها وسننطق بالحق والعدل لانخاف فى الله لومة لائم.
،نريد دعاة ينصرون الحق ويحاربون المنكرويعلمون الناس الاسلام الصحيح ويكونون لهم القدوة الصالحة ويعلنون لا للتخاذل لا للقعود لا للسلبية لا للتنازل عن قيم الاسلام ومبادئه .