الأربعاء، 7 مايو 2008

صاحب الأخيار الأبرار

صاحب الأخيار الأبرار

اقتضت مشيئة الله عز وجل أن يجعل طبيعة الانسان السوى يستحيل عليه أن ينعم بحياة رغدة طيبة هنيئة وهو يعيش وحيدا منفردا
فحياة الوحدة والانعزال هى حياة البؤساء والتعساء ذوو النفوس المريضة المكتئبة ،
لذا فالانسان السوى لابد له من الخلطة والاختلاط بالآخرين لابد له من أصحاب وأصدقاء يخالطهم ويخالطونهم ويعايشهم ويعايشونه ويمازحهم ويمازحونه ويشاركهم فى مسراتهم وأحزانهم ويشاركونه يقول الله عز وجل:
( ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم )

ومنطقى جدا أنه بصلاح المجتمع الذى يعيش فيه الانسان والبيئة التى يسكنها أى بصلاح الأصحاب والأصدقاء من حوله يكون صلاحه وفلاحه واستقامته ،وبفساد المجتمع والبيئة والأصحاب والأصدقاء يكون فساده وانحرافه وضياعه تماما كالبذرة الحية ..فاذا غرست فى أرض طيبة وتربة صالحة كثيرة الماء والغذاء نقية الهواء فستنبت نبتا صالحا وأغصانا قوية وثمارا ناضجة نافعة أما اذا غرست فى أرض سبخة وتربة خبيثة قليلة الماء والغذاء ملوثة الهوء فستموت وتفسد ولن تنبت شيئا .
تماما كالانسان ، فالانسان حتما يتأثر بالبيئة والمجتمع والأصحاب والأصدقاء.

ومن ثم جاء التوجيه الربانى لرسولنا(صلى الله عليه وسلم)حينما عرض عليه المشركون أن يجالسهم بشرط أن يطرد الفقراء والضعفاء والعبيد من هذه المجالس يغرونه بأنهم ربما يقبلون دعوته فهم النبى(ص) أن يقبل طمعا فى اسلامهم وينزل القرآن الكريم يصوب فكره ويصحح وجهته
( واصبرنفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ولا تعدو عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)

( أفرأيت من اتخذ الهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أويعقلون ان هم الا كالأنعام بل هم أضل سبيلا )

والآيات تشير وترشد الرسول أن احرص على مصاحبة المؤمنين الأخيار الذين سلمت عقيدتهم وصحت عبادتهم وحسنت أخلاقهم
ويستجيب النبى (ص)لأمر الله تبارك وتعالى فى هذا التوجيه.
وهو توجيه أيضا للمسلمين من بعده أن يحرصوا على مصاحبة الأخيار ومجالستهم ففى ذلك النفع الكبير لهم فى دينهم ودنياهم .

ويعرض القرآن مشهدا يحذرفيه من مغبة مصاحبة أهل الشروالسوء ويبين أن فى ذلك ضياع الدنيا والآخرة يقول الله عز وجل:
(ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتنى اتخذت مع الرسول سبيلا ياويلتا ليتنى لم اتخذ فلانا خليلا لقد أضلنى عن الذكر بعد اذ جائنى وكان الشيطان للانسان خذولا)
تذكر بعض الروايات فى سبب نزول هذه الآية أن أحد المشركين واسمه عقبة بن أبى معيط كان يكثر من مجالسة النبى(ص) فدعاه ذات يوم الى ضيافته فأبى النبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل الرجل وكان أبى بن خلف صديقه الحميم قد علم بذلك فعاتبه عتابا شديدا وقال له صبأت! قال لا ولكن الرجل أبى أن يأكل من طعامى وهو فى بيتى فاستحييت منه فشهدت له فقال له: لاأرضى منك الا أن تأتيه فتطأ قفاه وتبزق فى وجه فرجع فوجد النبى(ص) ساجدا فى دار الندوة ففعل ذلك فقال له النبى (ص) :(لاألقاك خارج مكة الا علوت رأسك بالسيف ) فأسر يوم بدر فأمر عليا فقتله.
يقول الشاعر
:واحذر مؤاخاة الدنىء لأنه يعدى كما يعدى الصحيح الأجرب

ويبين النبى (ص) أثر الصحبة على الفرد فى تصويروتمثيل رائع فيقول:
( انما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كبائع المسك ونافخ الكير فبائع المسك اما أن يحذيك واما أن تبتاع منه واما أن تجد منه رائحة طيبة ونافخ الكير اما أن يحرق ثيابك واما أن تجد منه رائحة نتنه )

فالجليس الصالح هو كبائع المسك سواء بسواء مصاحبته ومجالسته فيها الفائدة والمنفعة من جميع الوجوه فقد يهاديك بهدية تكافلا أو محبة، وقد يهديك بنصيحة تنفعك فى دينك ودنياك، واذا تعاملت معه فى بيع أوشراء فلن يخونك أويغشك، وأقل شىء تستفيده منه الرفعة والسمعة الحسنة لأنك تصاحبه ،والجليس السوء هو كنافخ الكير سواء بسواء فقديتسبب لك فى كارثة أو مصيبة فى نفس أوفى مال أو فى صحة، وأقل شىء يصيبك منه السمعة السوءلأنك تصاحبه
من النماذج التى عرفت قيمة الصحبة فحرصت عليها عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) كان يقول :
(لولا ثلاث لما أحببت البقاء فى الدنيا لولا أن أحمل على جياد فى سبيل الله ،ولولا قيام الليل بركعتين فى جوفه ،ولولا مجالسة أقوام ينتقون أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر)
ويقول (رضى الله عنه): أيضا ناصحا أحد المسلمين:
( عليك باخوان الصدق فانهم زينة لك فى الرخاء وعدة لك فى البلاء)
وجاء فى الأثر
(المرء قليل بنفسه كثير باخوانه)

ويرشدنا النبى (ص)الى مصاحبة المؤمنين الأتقياء فيقول:
( لاتصاحب الا مؤمنا ولايأكل طعامك الا تقى)
.
صاحب الأخياروجالسهم وأحبهم فان محبتك لهم تجمعك معهم فى ظل الله يوم القيامة يوم لا ظل الا ظله فمن السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله
(ورجلان تحابا فى الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) .
وفوق ذلك تنال محبة الله عز وجل ففى الحديث القدسى:
(وجبت محبتى للمتحابين فى والمتزاورين فى والمتجالسين فى والمتباذلين فى ).

تنال أيضا الرفعة والمكانة العالية فى الآخرة ففى الحديث القدسى :
(المتحابون فى جلالى على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء)
تفوز بشفاعتهم يوم القيامة استكثروا من الاخوان فانهم يأتون يوم القيامة شفعاء لكم .